
طوني خوري 10-12-2025
الأحداث التي شهدتها بيروت أمس لا يمكن تصنيفها على انها مجرد إشكال أمني عابر بين مجموعات سورية وسكان الضاحية الجنوبية. ما جرى يُعيد فتح ملف النزوح السوري من الزاوية والمقاربة التي لطالما كانت موجودة: زاوية الأمن وتوازن القوى، وحدود قدرة الدولة على ضبط جماعات باتت تتحرّك في الشارع بجرأة تتجاوز حالة الضيافة وتقترب من منطق “الوجود الفاعل” على الأرض.
في الأسابيع الماضية شاع كلام رسمي وإعلامي عن "موجة عودة" للنازحين السوريين إلى بلادهم. لكنّ مشاهد الأمس اثبتت أنّ هذه العودة لا تزال ضئيلة وغير وازنة، وأنّ الكتلة الأكبر من السوريين "النازحين" لا تزال مستقرة في لبنان، ليس كأفراد مشتتين بل كجماعات متراصة، قادرة على الحشد والتعبير السياسي. هذا وحده كافٍ لإعادة النقاش حول "الخطر الديموغرافي" إلى الواجهة، لكن ما حصل أمس دفع النقاش إلى ما هو أخطر: التحوّل من خطر عددي إلى خطر أمني-سياسي جاهز للانفجار في أي وقت، وبالسرعة اللازمة. السؤال الذي يفرض نفسه بعد الاشتباكات: من أين يأتي هؤلاء بالسلاح؟
العالم يضغط على لبنان لحصر السلاح بيد الدولة، ويضع حزب الله في رأس اللائحة بوصفه القوة العسكرية غير الشرعية الأكبر، وهو امر صحيح. لكن هذه المعادلة، بصيغتها الدولية، لا يمكن أن تتحوّل إلى صكّ براءة لبقية أنواع السلاح المتفلّت، سواء الفلسطيني أو السوري. خطورة السلاح السوري تحديداً تكمن في أنّه غير خاضع لأي مرجعية سياسية لبنانية، وأنّ أي احتكاك بسيط مرشّح للانزلاق إلى اشتباك واسع قد لا تملك الدولة السيطرة عليه. هذا السلاح يُعيد إنتاج منطق "الدويلة داخل الدولة"، ولكن هذه المرة من خارج الكيانات التقليدية المعروفة في الداخل.
مشهد مواكب ورقصات وسلاح على الطرقات احتفالاً بذكرى صعود أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، ليس بريئاً من الأسئلة. فإذا كان الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد أو بتغيّر توازنات السلطة في سوريا، فالسؤال يصبح: لماذا بيروت مسرحاً لهذا الاحتفال؟ ولماذا يُفرض على السكان المحليين مشاهد استعراض القوة، بدل أن يُنظّم الحدث في إطار ثقافي أو سياسي أو حزبي؟ مظاهر الشارع هذه ليست تعبيراً سياسياً، بل هي اختبار للقدرة على فرض حضور جماهيري مسلّح. وهذا ما يجعل الإشكال الأمني يتحوّل إلى رسالة: هناك جماعات سورية في لبنان باتت تعتبر أن لها "حقاً سيادياً" في الفضاء العام اللبناني.